
أثارت تصريحات أطلقها المحلل السياسي المالي الدكتور أحمدو توري خلال مقابلة إعلامية عبر قناة Kati 24 الإلكترونية نقاشًا واسعًا، بعد أن تحدث بلغة حادة عن العلاقات مع الجزائر، ملمّحًا إلى وجود توتر سياسي محتمل، وذاهبًا إلى حد الحديث عن “خيار الحرب”، في موقف اعتبره مراقبون تصعيدًا غير مسؤول من طرف لا يمثل الجهات الرسمية في مالي.
لكن في المقابل، وفي وقت ترتفع فيه الأصوات التصعيدية من جهات غير رسمية في مالي، تتحلّى الجزائر بضبط النفس، وتُظهر التزامًا واضحًا بعدم الانجرار إلى مناخ التوتر الإعلامي، مُكرسة بذلك نهجها القائم على احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها دون تدخل أو وصاية.
اتهامات خطيرة ومفردات تصعيدية
خلال مقابلة إعلامية، صرّح الدكتور توري بأن الجزائر “تريد الحرب”، مستشهدًا بإسقاط طائرة بدون طيار تابعة للجيش المالي، وقال إن الحادثة “لم تكن حادثًا عابرًا”، بل “رسالة سياسية وعسكرية مباشرة”.
وقال أيضًا:
“الجزائر تتصرف وكأنها الوصي على مالي… وتخشى أن تستقل مالي بمواردها الطبيعية كالنفط والغاز.”
ووصف ما تقوم به الجزائر بـ”التخويف الاستراتيجي”، مدعيًا أن الأمر يتجاوز مجرد الخلافات الحدودية ليطال مستقبل مالي الاقتصادي والسيادي.
تشبيه الجزائر بالاستعمار الفرنسي… تصعيد لغوي خطير
من بين العبارات التي أثارت انتقادات كبيرة، شبّه الدكتور توري الموقف الجزائري بالاستعمار الفرنسي، حيث قال:
“الجزائر اليوم هي فرنسا الأمس بالنسبة لمالي.”
هذا التشبيه، الذي يفتقر إلى الدقة التاريخية والسياسية، لقي رفضًا واسعًا حتى من قبل متابعين محايدين، لما يتضمنه من تحريف للعلاقات التاريخية التي جمعت الشعبين الجزائري والمالي، خاصة في فترة مقاومة الاستعمار.
الجزائر تلتزم ضبط النفس: لا تعليقات رسمية
وفي الوقت الذي تلوّح فيه بعض الأطراف في مالي بخطاب عدائي، تُظهر الجزائر تمسكًا بمبادئها في التعامل الإقليمي، وفي مقدمتها احترام وحدة الشعوب الأفريقية، ورفض التدخل في شؤون الغير، وعدم الانجرار وراء تصعيد لا يخدم أحدًا.
الواقع الإقليمي يفرض الحكمة
المنطقة تشهد منذ فترة توترًا دبلوماسيًا على خلفية تباين المواقف بشأن تحالفات دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) بعد الانقلابات العسكرية، وتوجهها نحو شراكات جديدة بعيدًا عن فرنسا. لكن الجزائر، التي كانت من أول الداعمين لتحرر مالي من الاستعمار، تدرك أن ما يربط الشعبين أكبر من الخلافات السياسية المؤقتة، وتسعى باستمرار إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
خاتمة: صوت الحكمة في وجه التصعيد
رغم كل التصريحات الصادمة، يبقى الرهان الحقيقي على الحكمة السياسية، وعدم الانجراف وراء التصريحات التي تهدد السلم في منطقة الساحل. فالتاريخ والجغرافيا يربطان الجزائر ومالي بروابط لا تُلغى بخطاب منفعل أو تحليل فردي.
وفي حين تسعى بعض الأصوات إلى إشعال نيران الأزمة، تبقى الجزائر في موقع من يدرك حجم المسؤولية، ويفضّل التهدئة على التصعيد، والحوار على المواجهة.