دولياًسياسة

أزمة الجزائر ومالي: حملة ممنهجة أم تصعيد غير مبرر؟

الجزائر في مواجهة اتهامات غير مؤسسة من حلفائها في الساحل

الجزائر: اختراق سيادي لا يمكن التغاضي عنه

في 31 مارس 2025، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن حادث عسكري مهم، حيث تم إسقاط طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي بعد أن اخترقت المجال الجوي الجزائري بالقرب من الحدود بين البلدين. الطائرة التي كانت تقوم بمهام استطلاعية عبرت مسافة تُقدّر بحوالي كيلومترين داخل الأراضي الجزائرية، وهو ما اعتبرته الجزائر بمثابة تهديد مباشر لأمنها القومي.

لقد كان الحادث جزءًا من توترات متزايدة بين الجزائر ودول المنطقة الساحلية، التي شهدت في السنوات الأخيرة صراعات معقدة، لم تقتصر على مالي فحسب، بل شملت أيضًا النيجر و بوركينا فاسو. ردت الجزائر على الحادث بتأكيد حقها في الدفاع عن حدودها وسيادتها، مشددة على أن الأمن الوطني يعد خطًا أحمر لا يمكن التهاون فيه.

اتهامات مالية… بلا أدلة واضحة

بعد الحادث، أصدر الحكومة المالية بيانًا رسميًا اتهمت فيه الجزائر بـ “العدوان”، مشيرة إلى أن الطائرة لم تخترق المجال الجوي الجزائري بل سقطت داخل الأراضي المالية. ووفقًا لبيانات السلطات المالية، فإن الطائرة كانت على مسار طبيعي داخل المجال الجوي المالي، ولكن التفسير الجزائري للحادث يعارض هذا الادعاء، مشيرًا إلى أن الطائرة اختطفت بشكل عنيف بعد دخوله إلى المجال الجوي الجزائري.

تؤكد الجزائر أن لديها أدلة فنية توضح مسار الطائرة، ولا سيما تتبع أنظمتها الرادارية، التي أظهرت أن الطائرة فقدت الاتصال بموعد قبل أن تسقط على بعد 9.5 كيلومترًا داخل الأراضي المالية. هذا التباين في المعلومات بين البلدين يفتح تساؤلات حول مصداقية الروايات المتناقضة والمغزى السياسي وراء كل منهما.

تاريخ من الدعم… يقابل بالنكران

منذ استقلالها، لعبت الجزائر دورًا محوريًا في دعم استقرار منطقة الساحل، وفي مقدمتها مالي. فقد قدمت الجزائر دعمًا كبيرًا للسلام في المنطقة، خصوصًا عبر اتفاقية الجزائر للسلام والمصالحة في 2015، التي كانت خطوة رئيسية نحو استعادة الاستقرار في مالي بعد سنوات من الصراع. الجزائر قامت أيضًا بجهود كبيرة في تقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية لمواجهة تبعات الصراع، كما عملت على محو الديون المالية لمجموعة من دول المنطقة.

لكن يبدو أن هذا التاريخ الطويل من الدعم يواجه اليوم شكوكًا من جانب بعض حكومات دول الساحل، وخاصة مالي التي تحت قيادة العسكريين، والتي تحولت إلى محور تحالفات جديدة بعيدة عن التأثير الجزائري التقليدي. إذ تم إلغاء اتفاق الجزائر 2015 مع بداية الفترة الانتقالية في مالي، ثم سعت هذه الدول إلى تعزيز روابطها مع روسيا و التحالفات الجديدة.

من يدفع نحو التصعيد؟

تتزايد الشكوك حول الأطراف التي قد تكون وراء تصعيد التوترات بين الجزائر ومالي. فدول الساحل، وخاصة مالي و بوركينا فاسو، في مرحلة انتقالية، حيث الانقلابات العسكرية أصبحت سمة أساسية في هذه الفترة. من الواضح أن هذا التغيير في الأنظمة قد يكون له تأثير عميق على مسار التحالفات في المنطقة.

في هذا السياق، تبرز الادعاءات بأن هذه الدول قد تكون تحت تأثير أطراف خارجية، تريد أن تُدخل الجزائر في مواجهة مع حلفائها التقليديين. وهذا قد يكون مرتبطًا بمحاولة إضعاف الاستقرار السياسي والعسكري للجزائر، والتي كانت، ولا تزال، قوة استراتيجية تحافظ على توازن القوى في منطقة الساحل.

الجزائر: الحوار هو الطريق… لكن السيادة خط أحمر

على الرغم من هذه الاتهامات، تؤكد الجزائر التزامها بالحوار الإقليمي وبالتحالفات الإفريقية. الجزائر التي عاشت أوقاتًا صعبة في الماضي ضد الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، لا يمكنها السماح بتصعيد غير مبرر قد يهدد أمنها الوطني. كما أن الجزائر ترفض تمامًا أي محاولة لزعزعة استقرار المنطقة عبر التدخلات الخارجية أو اللعب على وتر السيادة.

علاوة على ذلك، من المهم أن نلاحظ أن الجزائر ترى أن مسألة المصالح المشتركة في منطقة الساحل لا ينبغي أن تكون سببًا لتأجيج النزاعات. فهي تؤكد دائمًا ضرورة العمل ضمن إطار من التعاون الإقليمي، سواء في إطار المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي أو اللجنة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وهي جاهزة لمواصلة جهودها في هذا الاتجاه.

الجزائر ترفض التقارير الصحفية المغرضة

حري بالذكر أن الجزائر قد شنت حملة ضد التقارير الصحفية المغرضة التي تسعى إلى تشويه صورتها أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، مشددة على أن المواقف التي تتخذها في ما يتعلق بحماية سيادتها لا يجب أن تفسر بشكل خاطئ. وتتابع الجزائر عن كثب التحركات الإعلامية التي تحاول أن تخلق توترات بين الدول الإفريقية في وقت حساس جدًا.

خاتمة: على دول الساحل أن تراجع مواقفها قبل فوات الأوان

من الواضح أن منطقة الساحل تشهد تحولًا جذريًا في سياساتها، وقد يكون لهذه التحولات تأثير بعيد المدى على الأمن والاستقرار الإقليمي. الجزائر تؤكد مجددًا التزامها بـ السلام و التعاون مع جميع دول الجوار، ولكنها في الوقت نفسه ترفض بشكل قاطع أي محاولة لإضعاف سيادتها أو توجيه الاتهامات المغرضة.

على دول الساحل، وخاصة مالي، أن تُعيد النظر في مواقفها وتبحث عن الحلول التفاوضية التي تضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. الجزائر تظل لاعبًا رئيسيًا في هذا السياق، وتدرك أن أي تراجع في التفاهمات الإقليمية قد يؤدي إلى تفشي الإرهاب و الصراعات الطائفية التي تهدد الجميع.

إعداد: فريق التحرير
المصادر: وكالات


زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock