منوعات

اليابان تعوض إيواءو هاكامادا بمبلغ قياسي بعد 58 عامًا من المعاناة: مأساة العدالة البطيئة

طوكيو – (وكالات الأنباء)

في قرار تاريخي يعكس واحدة من أطول حالات الإدانة الخاطئة في العالم، منحت محكمة يابانية الملاكم السابق إيواءو هاكامادا تعويضًا قدره 1.4 مليون دولار، بعد أن أمضى 46 عامًا في السجن، معظمها تحت تهديد الإعدام، قبل أن تثبت براءته العام الماضي.

أطول قضية إعدام في التاريخ الحديث

تعود القضية إلى عام 1966، عندما تم العثور على صاحب شركة يابانية، وزوجته، وطفليهما مقتولين في منزلهم، وقد اشتعلت النيران في الجثث بعد طعنهم بوحشية. كان هاكامادا، البالغ من العمر حينها 30 عامًا، يعمل لدى الضحية، وسرعان ما وجد نفسه في قبضة الشرطة التي اتهمته بالجريمة بناءً على أدلة وُصفت لاحقًا بأنها “مفبركة”.

بعد 20 يومًا من الاستجوابات القاسية دون محامٍ، اعترف هاكامادا بارتكاب الجريمة، لكنه سرعان ما تراجع عن أقواله، مؤكداً أنه تعرّض للضغط والتعذيب النفسي والجسدي من قبل الشرطة. ورغم عدم وجود دليل مباشر قوي، صدر بحقه حكم بالإعدام عام 1968، ليبدأ فصلاً مظلمًا من حياته امتد لما يقرب من ستة عقود.

حملة طويلة لإثبات البراءة

لم يكن هاكامادا وحده في معركته. فقد قادت شقيقته هيديكي هاكامادا، التي أصبحت الصوت الأكثر تأثيرًا في قضيته، حملةً دامت عقودًا لإثبات براءته. وجدت المحكمة في عام 2014 أن الأدلة التي أدين بها قد تم التلاعب بها، وعلّقت تنفيذ حكم الإعدام بحقه، لكنها لم تصدر قرارًا نهائيًا حتى عام 2024، عندما أعلنت براءته رسميًا.

أحد الأدلة الرئيسية التي استندت إليها المحكمة في نقض الإدانة كان تحليل الحمض النووي، الذي أظهر أن بقع الدم الموجودة على الملابس التي قيل إنها تخص هاكامادا لم تكن له، وهو ما كشف عن تلاعب الشرطة بالأدلة لإدانته.

تعويض قياسي لا يمحو الألم

في قرار صدر أمس الثلاثاء، قضت محكمة شيزوكا بتعويض هاكامادا بمبلغ 217 مليون ين ياباني، أي ما يعادل 1.4 مليون دولار أمريكي، وهو رقم قياسي في قضايا الإدانة الخاطئة في اليابان.

لكن محاميه يرون أن هذا التعويض، رغم ضخامته مقارنة بسوابق مماثلة، لا يمكن أن يعوض “58 عامًا من العذاب والظلم”، خاصةً أن موكلهم لم يعد الشخص ذاته الذي دخل السجن قبل عقود.

يقول أحد محاميه:

“هاكامادا اليوم يعيش في عالم منفصل عن الواقع، بسبب سنوات العزلة الطويلة. لم يكن مجرد سجين، بل كان رجلًا ينتظر تنفيذ حكم الإعدام في أي لحظة، وهو أمر يدمر الإنسان نفسيًا وعاطفيًا”.

نظام قضائي تحت المجهر

تثير قضية هاكامادا تساؤلات جدية حول نظام العدالة الجنائية في اليابان، خاصة فيما يتعلق بأسلوب استجواب المتهمين والاعتماد على الاعترافات القسرية كأدلة رئيسية في المحاكمات.

تعد اليابان واحدة من الدول القليلة التي لا تزال تطبق عقوبة الإعدام، لكنها تتبع نظامًا قاسيًا في تنفيذ الأحكام، حيث لا يتم إبلاغ السجين بموعد إعدامه إلا في صباح يوم التنفيذ، ما يتركه في حالة خوف دائم قد تستمر لعقود.

يقول أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في اليابان:

“قضية هاكامادا هي دليل حي على مخاطر نظام عقوبة الإعدام عندما يتم تطبيقه دون ضمانات قانونية كافية. يجب أن تدفع هذه المأساة السلطات إلى مراجعة آليات المحاكمة والاستجواب لضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء”.

ماذا بعد؟

اليوم، ورغم حصوله على الحرية، لا يزال هاكامادا يعاني من آثار العزلة الطويلة، حيث تشير تقارير طبية إلى إصابته باضطرابات نفسية خطيرة نتيجة العقود التي قضاها خلف القضبان في ظل تهديد دائم بالموت.

أما شقيقته، التي كرّست حياتها لإثبات براءته، فتقول:

“لقد انتزعوا منه حياته، لكن على الأقل تمكنا من رؤيته يخرج من السجن كرجل بريء. هذا الانتصار ليس له فقط، بل لكل من ناضلوا من أجل العدالة في اليابان”.

تظل قصة إيواءو هاكامادا واحدة من أكثر القصص المأساوية في تاريخ القضاء الياباني، وتذكيرًا صارخًا بأن العدالة المتأخرة قد تكون في بعض الأحيان قاسية بقدر الظلم نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock