التفاهة في زمن الشهرة: عندما يصبح الضجيج صناعةً مربحة

بقلم: أنيس
في زمن كانت فيه وسائل الإعلام التقليدية تتحكم في صناعة النجوم، كان على أي شخص يرغب في دخول عالم الشهرة أن يمتلك موهبة أو يقدم قيمة معينة للمجتمع. أما اليوم، فقد تغيرت المعادلة، وصارت الشهرة تُكتسب بالصراخ، والاستفزاز، واستعراض التفاهة، حتى أصبحت هذه “المحتويات” تهيمن على المشهد الرقمي وتحظى بمتابعة واسعة، لدرجة أنّ بعض أصحابها انتقلوا من الشاشات الصغيرة إلى التلفزيون الرسمي، بل وحتى إلى الإنتاجات الرمضانية.
منصات التواصل: التّفاهة تُباع وتُشترى
منصة مثل “تيك توك” أو “يوتيوب” لم تعد مجرد فضاء لمشاركة المحتوى العفوي، بل تحولت إلى سوق مفتوح حيث يُقاس النجاح بعدد المشاهدات، وليس بجودة المحتوى. في هذا السياق، ظهرت أسماء مثل زكروط، الرايس، سنكوشي، الحر، فريد، أنوش مافيا، وبريسلي بوحنيفية، وغيرهم كثير، ممن صنعوا شهرتهم عبر مقاطع ساخرة، أو تصرفات غريبة، أو إثارة الجدل. ما يجمع بين هؤلاء أنهم لا يقدمون قيمة حقيقية، لكنهم حصدوا ملايين المتابعين، مما جعلهم سلعةً مربحة للمعلنين ومنتجي البرامج.
الجمهور شريك في الجريمة
من السهل إلقاء اللوم على هؤلاء “المؤثرين”، لكن الحقيقة أن الجمهور يتحمل مسؤولية كبيرة في صناعة هذا الواقع. فلو لم يجدوا تفاعلًا، ولو لم يُمنحوا الشهرة، لما استمروا في الظهور. جمهور اليوم يبحث عن الترفيه السريع، عن الضحك الفجّ، عن مقاطع خفيفة لا تحتاج إلى تفكير، مما جعل التفاهة أكثر انتشارًا من المحتوى الهادف.
من “التفاهة الرقمية” إلى “التفاهة التلفزيونية”
المفارقة الكبرى أن بعض القنوات التلفزيونية الجزائرية لم تكتفِ بتجاهل صناع المحتوى الجاد، بل عمدت إلى استقطاب “مشاهير السوشيال ميديا” ووضعتهم في أعمال رمضانية. إنتاجات يُفترض أنها تحظى بمكانة خاصة لدى العائلة الجزائرية، لكنها صارت تستضيف أسماء اشتهرت بالجدل والتفاهة، لتُقدّم لجمهور أوسع على الشاشة الصغيرة. هذه الخطوة لم تأتِ عبثًا، بل هي استجابة لمنطق السوق: هؤلاء لديهم جمهور واسع، والجمهور هو من يجلب الإعلانات.
ماذا عن صناع المحتوى الجاد؟
في ظل هذا الزخم، يجد صانعو المحتوى الهادف أنفسهم في معركة غير متكافئة. فمن يقدم محتوى علميًا، أو ثقافيًا، أو حتى كوميديا راقية، يواجه صعوبة في الوصول إلى الجمهور، لأن “الخوارزميات” تفضل المحتويات الأكثر إثارة. ومع ذلك، فإن الحلّ ليس في الاستسلام، بل في مواصلة العمل على تقديم محتوى يحمل قيمة، والترويج له بطرق مبتكرة، مع السعي إلى توعية الجمهور بضرورة دعم المحتوى الجيد.
ختامًا: هل هناك أمل؟
المعادلة اليوم بسيطة: الجمهور هو الذي يحدد من يكون نجمًا ومن يكون منسيًا. إذا كان هناك من يرفض هذا الواقع، فعليه أن يغير من سلوكياته الاستهلاكية، وأن يدعم صناع المحتوى الذين يستحقون الظهور. أما إن استمر الحال على ما هو عليه، فإن الشاشة – سواء كانت رقمية أو تلفزيونية – ستظل تعكس مستوى الذوق العام، بكل ما يحمله من انحدار أو تطور.