إسبانيا والجزائر تعيدان إطلاق العلاقات الدبلوماسية والتجارية بعد أزمة طويلة

استعادت العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين إسبانيا والجزائر زخمها من جديد بعد نحو عامين ونصف من الأزمة التي عصفت بها، حيث تم رفع القيود المفروضة على واردات المنتجات الإسبانية، وهو تحول بدأ يظهر بشكل واضح على الصعيدين الدبلوماسي والتجاري.
في نوفمبر من العام الماضي، تم رفع الحظر الذي كانت الجزائر قد فرضته على المنتجات الإسبانية في خطوة تمهد لتقارب جديد بين البلدين. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لم تحظَ بتغطية إعلامية كبيرة، إلا أن آثارها بدأت تظهر في فيفري 2025، عندما أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تصريحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيها إسبانيا بأنها “دولة صديقة”، إثر فوز كاتب جزائري بجائزة إسبانية. وقد شهد الشهر نفسه عقد اجتماعين بين وزيري الخارجية والداخلية للبلدين، مما يشير إلى العودة التدريجية للعلاقات الثنائية التي كانت قد تضررت بشكل كبير على خلفية دعم الحكومة الإسبانية لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التحسن في العلاقات لم يكن متوقعًا من قبل البعض، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية التي كانت الجزائر قد فرضتها على إسبانيا في إطار ردها على السياسة الإسبانية بشأن الصحراء الغربية، والتي أدت إلى سحب السفير الجزائري من مدريد وتجميد العلاقات التجارية بين البلدين. ورغم تلك الإجراءات، لم تؤثر الأزمة على استمرار تدفق الغاز الجزائري إلى إسبانيا، مما يدل على أن العلاقات الاقتصادية لم تتوقف بشكل كامل.
وتعتبر الخطوة الأولى نحو ذوبان الجليد في العلاقات هي الموافقة التي طلبتها الجزائر في نهاية عام 2023 لإرسال سفير جديد إلى إسبانيا، ما يعكس رغبة الجزائر في استئناف التمثيل الدبلوماسي في مدريد بعد غياب دام 20 شهرًا. ورغم أن هذا الطلب لم يواكبه رفع الحظر عن المنتجات الإسبانية بشكل فوري، إلا أن نوفمبر 2024 شهد رفع القيود التجارية، مما أعاد النشاط إلى العديد من القطاعات المتأثرة، بما في ذلك صناعة السيراميك.
على الصعيد التجاري، تشير البيانات إلى أن صادرات السيراميك الإسباني إلى الجزائر شهدت زيادة ملحوظة بعد رفع الحظر، حيث ارتفعت من 2 مليون يورو في نوفمبر 2024 إلى 13.4 مليون يورو في ديسمبر من نفس العام، وهو ما يعكس انتعاشًا تدريجيًا في القطاع. وفي هذا السياق، أكد مانويل بريفا، الأمين العام لجمعية المنتجين الإسبان للفريتات والألوان والخزف، أن “الأرقام الإيجابية التي تم تسجيلها في ديسمبر تعكس تحسن الوضع التجاري بين البلدين”.
من الناحية الدبلوماسية، كانت اللقاءات بين مسؤولي البلدين بمثابة تأكيد على العودة إلى التعاون المشترك. ففي 21 فبراير 2025، التقى وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بنظيره الجزائري أحمد عطاف في قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا. وبعد ثلاثة أيام، زار وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد مدريد، حيث اجتمع مع نظيره الإسباني فيرناندو غراندي-مارلاسكا لمناقشة القضايا الأمنية والتعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
ورغم هذه التحركات الإيجابية، يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت الجزائر ستستعيد معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، التي كانت قد جمدتها كإجراء عقابي بعد الخلاف حول الصحراء الغربية. وفي هذا السياق، ترى أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كومبلوتنسي في مدريد، لورانس ثييو، أن التحسن في العلاقات يعود إلى سلسلة من المبادرات الرمزية والديبلوماسية، مع احتمالية حدوث أزمات جديدة في المستقبل. وأوضحت أن الجزائر تسعى لتخفيف التوترات مع إسبانيا بعد توتر علاقاتها مع فرنسا، ما يعكس رغبتها في الحفاظ على توازن علاقاتها الدولية.
بالمجمل، تشير هذه التطورات إلى أن الجزائر وإسبانيا قد بدأتا مرحلة جديدة من التعاون، إلا أن الاستقرار الكامل في العلاقات لا يزال مرهونًا بالعديد من العوامل، بما في ذلك التوترات المستمرة في منطقة الصحراء الغربية، التي قد تشهد تداعيات جديدة في المستقبل القريب.
عن وسائل اعلام اسبانية