وطنياً

رد على مقال “في الجزائر، الإسلاموية هي المؤثر الوحيد المسموح به”

قرأت مقال Le Point المعنون “في الجزائر، الإسلاموية هي المؤثر الوحيد المسموح به”، وقد تم طرح بعض النقاط التي تستحق المناقشة. المقال يركز على حملة القمع ضد بعض المؤثرين في الجزائر، ويركز بشكل خاص على قضية دنيا السطايفية، ويصورها كجزء من سياق أكبر من القمع الذي يستهدف الشباب. ولكن في الواقع، هناك جوانب أخرى لهذه القضية التي تستحق أن يتم تسليط الضوء عليها بشكل أكثر توازنًا وموضوعية.

من مقال جريدة le point الفرنسية

1. القضية ليست “إسلاموية” فقط

المقال يضع اللوم بالكامل على التيار الإسلامي في الجزائر، مما قد يؤدي إلى تصور خاطئ عن الواقع. ففي الحقيقة، الحملة ضد بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ليست محضًا نتيجة لتصاعد التيار الإسلامي، بل هي جزء من توجه حكومي لتأطير الفضاء الرقمي وضمان عدم انتهاك القيم الاجتماعية السائدة. من الصحيح أن هذه الحملة تتضمن تأثيرات من التيارات الدينية المحافظة، ولكنها أيضًا مدعومة من الدولة التي تسعى إلى ضمان الاستقرار الاجتماعي وحماية أخلاقيات المجتمع، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الدقيقة التي تمر بها البلاد.

2. استهداف النساء وتوجيه الاتهامات غير المنطقية

تم التركيز في المقال على استهداف النساء المؤثرات، خاصة في حال لم يكنّ ملتزمات بمفهوم “المرأة التقليدية” في المجتمع الجزائري. في الحقيقة، يجب أن نكون دقيقين عند تناول هذا الموضوع. فعلى الرغم من أن الحملة قد تكون قد استهدفت بعض النساء أكثر من غيرهن، إلا أن هذه الظاهرة ليست محصورة في النساء فقط، بل تشمل أيضًا الرجال، كما في حالة موح الوشام وحبيب حمون. والاتهامات الموجهة لبعض هؤلاء المؤثرين ليست دائمًا متعلقة بالمحتوى ذاته بقدر ما هي مرتبطة بالصورة العامة التي يقدمونها على الإنترنت، والتي يُنظر إليها من قبل بعض الأوساط على أنها تتعارض مع القيم التي يروج لها النظام.

3. حرية التعبير وتحديات الواقع الجزائري

من خلال المقال، يتم تصوير الجزائر كما لو كانت تعيش في حالة من القمع التام، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي آخر معقل للحرية. ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الجزائر، مثل العديد من الدول الأخرى، تشهد موجة من التحولات الثقافية والاجتماعية. وبالتالي، يتعين وضع الضوابط لحماية المجتمع من المحتوى الذي يمكن أن يتسبب في تدهور القيم الاجتماعية. ما لا يتم الحديث عنه في المقال هو ضرورة وجود توازن بين حرية التعبير والاحترام لقيم المجتمع، وهو ما تسعى الدولة لتحقيقه في سياق سعيها لضبط الفضاء الرقمي.

4. تأثير الإعلام المؤثر على الشباب الجزائري

المقال يشير إلى أن العديد من الشباب الجزائري يتأثرون بالمحتوى الذي يتم نشره من قبل بعض المؤثرين، مثل دنيا السطايفية، الذين يعرضون أسلوب حياة استهلاكيًا فاخرًا قد يتناقض مع الواقع المعيشي للشباب في الجزائر. من الواضح أن هذه الظاهرة ليست محصورة في الجزائر فقط، بل هي جزء من تحول ثقافي عالمي. لكن في الجزائر، حيث يعاني العديد من الشباب من مشاكل اقتصادية واجتماعية، قد يكون لهذا النوع من المحتوى تأثير أكبر، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير الإعلام على الشباب وكيفية تأثير ذلك على هويتهم وتطلعاتهم المستقبلية.

5. تطور الشباب الجزائري وواقعهم المتغير

أخيرًا، من المهم أن نتذكر أن الجزائر ليست مجرد ساحة للتصادم بين الدين والحداثة. إن الشباب الجزائري، الذي يعاني من تحديات كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يظل يمتلك روحًا إبداعية وطموحة تسعى لإيجاد فرص جديدة في ظل الظروف الصعبة. الإعلام الرقمي يمنح هؤلاء الشباب فرصة للتعبير عن أنفسهم وبناء هوية جديدة، لكن لا يمكن السماح لهذا الفضاء بأن يصبح مفتوحًا تمامًا بدون رقابة تحترم القيم والمبادئ الاجتماعية التي يعتز بها الشعب الجزائري.

الخلاصة

في الختام، من الضروري أن يكون لدينا فهم أعمق للأبعاد المختلفة لهذه القضايا. لا يمكن اختزال الوضع في الجزائر في صراع بين التيارات الإسلامية والفئات التي تدافع عن حرية التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي. القضية أكبر من ذلك بكثير، حيث تتداخل السياسة والدين والثقافة في إطار معقد يتطلب تحليلًا بعيدًا عن الأحكام السطحية. من المهم أن نبحث عن توازن بين الحريات الفردية واحترام القيم المجتمعية، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الشباب الجزائري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!